16 août 2008

النفاق السياسي ..والوهم الديمقراطي


لكل حاكم جديد لابد له ممن يروج لخطابه ويسوق بضاعته ويخطب له ود الناس وهؤلاء باختصار هم "زبانية النظام" وزمرته وبطانته يؤيدونه في قراراته ويهللون باسمه عند الحاجة ويزمرون له عند الضرورة ويسبحون له صباح مساء وهي حالة درجت عليها ثلة من النخب "المزيفة" وزمرة من الطبقة السياسية "المفلسة" في بلادنا ، تلك مجرد وصفة مبسطة للأجواء التي تحيط بالجنرال الحاكم الذي اغتصب السلطة عنوة بسطوته وجبروته وغطرسته بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ من حيث أسلوب الارتجال واندفاع المتهور وعنجهية المستبد ، فأي شخص مهما بلغ به الغرور عندما تتملكه الرغبة في الاستيلاء على السلطة على الأقل بحاجة إلى التفكير مليا في العواقب والمآلات -لأن نظام الحكم من السهل خرقه أو هدمه ولكن من الصعوبة بنائه من جديد - ، هذا حين تكون المبررات والمسوغات مقنعة ومنطقية أحرى أن تكون زائفة وواهية لم تقنع الجنرال نفسه كيف أن تقنع الآخرين – وقد كانت الصورة واضحة من خلال "تمتمات الجنرال وتلعثماته في مقابلاته الصحفية - ، فحين يحمل الجنرال بلد بأكمله ويجعله في جيبه فان الطامعين عند الطمع سيسيل لعابهم والمرجفين سيتحركون في المدينة والمرتزقة سيتسابقون نحو السلطان والمنافقون سيرتعدون من خيفته ، وحين يدمر بذرة الديمقراطية الوليدة في مهدها ويدعي زورا وبهتانا بأنه جاء لإنقاذ البلاد والعباد من جحيم الاستبداد والانحراف وهو يزرع بذوره فمن سيلدغ في الحجر مرتين ومن سيخدعه عبث العسكر مرة أخرى ؟
لكن ما أصاب الجميع بالذهول هو العودة المفاجئة لمشهد "النفاق الصراح" فالمتابع للإعلام الرسمي ينتابه الضجر والاشمئزاز والسخط من سيل البرامج الموجهة لغسيل أدمغة المواطنين ولتخدير عقولهم بسلسلة من المقابلات واللقاءات مع "رجالات المسخ " في المرحلة الجديدة من زبانية رهنوا أنفسهم في الدفاع عن نظام الجنرالات وباعوا ضمائرهم لسدنة القصر ، ترى وجوها تتلون وآراء ممجوجة وبيانات ممقوتة ومسيرات مدفوعة ومظاهرات باهتة تبثها وسائل إعلام عودتنا على خدمة سيد القصر أي كان لونه أو شكله – وكأن حليمة عادة إلى عادتها القديمة -وكأنك لا ترى ولا تسمع إلا ما يحب ويشتهي السلطان الجديد حيث تحول كل شيء إلى بوق للنظام الجديد بكبسة زر أو بخبطة لازب.
جانب آخر من المشهد المركب أصوات مبحوحة ونداءات مفضوحة وصيحات متقطعة وحركات عبثية من برلمانيين وشيوخ وقادة سياسيين يدعون الغيرة على الوطن وحماية بيضة الديمقراطية ويباركون خرق القانون والدستور من قبل زمرة من العسكر ، ويهللون ويطبلون لحاكم عسكري مستبد في أقل وصف له ويرفضون ويسخطون على حاكم مدني منتخب وهي حالة مزرية نعيش تحت ظلالها الآن حيث انقلب كل شيء في هذا الوطن على عقبه ، فقد أصبح كل شيء مقلوب عند هؤلاء في لعبة مكشوفة حتى من حيث المصطلحات المستخدمة في القاموس السياسي فأصبحت الحركة التخريبية "تصحيحية" والديكتاتورية "ديمقراطية" والفساد "إصلاح" وحرية الرأي والتعبير إلى حرية العبث والتنكيل وتكميم الأفواه.
إذا هذه هي الحالة التي أوصلنا إليها الجنرالات وزبانيتهم المأجورة وهم يدخلون البلاد في ظلام دامس ويتجهون بنا نحو المجهول بغبائهم السياسي وغطرستهم العسكرية ، حيث تحولت الطبقة السياسية إلى فسطاطين معسكر تتصدره شرذمة من العابثين والطامحين والطامعين ركبوا الموجة وساروا على درب الأواخر في الجشع والمنفعة ، ومعسكر آخر من أصحاب المبادئ والضمائر الحية يحاول الوقوف في وجه الموجة وبين هذين ملامح تبدو لحصار دولي وعزلة في الأفق لنظام الجنرال قد لا يعدوا كونه نوع من الضغط السياسي لا يعول عليه كثيرا في أزمة الحكم القائمة ، ويبقى الضحية في كل ما يجري مواطن مع كل نظام حكم جديد يسمع سيل من الوعود الجميلة والعهود البراقة تتحول في نهاية المطاف إلى سراب ووهم حينما تثبت الأقدام ويتحكم في مفاصل الحكم ، فإلى متى يعاد نسج نفس الحكاية وتحبك نفس القصة مع أي أبي رغال تطأ أقدامه عتبات الحكم ؟
محمد مولود ولد المعلوم